الخميس، 10 يناير 2013

أحوال ومقامات الصراط المستقيم

       باسم الله الرحمان الرحيم والصلاة على محمدنا وآله وصحبه 
إعلم أخي وفقك الله للهدى المبين أن هذا القرآن الذي تقرأ وتتدبر ، والسنة التي تريد أن تتبع ، قد اقتدى بهما سلفنا الصالح ..
وكان منهم من لم يكن فهمهم بسيطا كما حال معظمنا اليوم ، بل كان فهما جوهريا وحكيما لكل الكتاب ولكل السنة:
 فبعلم هؤلاء نتشبت :
علم المنعم عليهم من الصديقين والراسخين في العلم :
وعلم الذين أنعم الله عليهم من الأولياء الصالحين..
وهؤلاء حينما مارسوا التدين وذاقوا ثمرات الولاية إستنطوا كما استنبط رسول الله صلى الله عليه وسلم :
بأن الفهم والعلم والعمل درجات .
ولهذا فإن تدين الصحابي والولي ليس هو تدين العالم والفقيه في شرع الله فقط ، بل هناك العارفون بالله تعالى الذين علومهم كالبحور الهادئة ..
 والذين لهم فهم حكيم لكتاب الله تعالى ، وسلوك عميق في سنة رسوله صلوات الله وسلامه عليه ..
ولهذا فمن الحكمة أن ترى أن الهداية لشرع الله ليست هي الهداية لله.. 
ونحن نريد أن نهتدي إن شاء الله تعالى لله بشرع الله:
 فلا حقيقة دون شريعة ..
والشريعة عندنا وسيلة فقط للعمل لا هدفا للعلم.
لأن هدفنا من التدين محبة الله وقربه وتذوق أحوال ومقامات سلوكنا القلبي والروحي بصدق:  وذاك هو العرفان.
ولهذا فمقام الهدى لله أعلى من مقام الهدى لشرعه..
فالشرع وسيلة والقرب ومحبة المشرع غاية ..
فكيف تصل إلى الغاية ولا تأسرك الوسيلة ؟ وكيف ترقى إلى مقام القرب ومقام المحبة؟ أو كيف تهتدي لله؟ :
فاعلم أخي في الله إذن : أن لا قرب لك حتى تذوق من أنوار أسمائه الحسنى ما شاء لك سبحانه إن سلكت قلبا وقالبا وبكل ربانية في مقامات وأحوال الفرار إليه ...
وتعبد الله كأنك تراه.
فإن لم تكن تراه فإنه يراك.
وهذا مبتغى القرب والمحبة والهدى وغاية الإحسان ..
والذي لن تذوقه ما لم يكتمل إسلامك ثم إيمانك ، وإيمانك ثم إسلامك : 
فهما مقامان لازمان لتذوق كل أحوال ومقامات الإحسان  ، والتي سنشرحها لك عمليا في هاته السلسلة بكل إيجاز :
" فخير الكلام ما قل ودل"..
فتعالى نبدأ من مقامات الإسلام فالإيمان قبل أن نرقى إلى هاته الآفاق العليا للإحسان ، وحتى الصديقية: 
"وبتلميح لا إستفاضة فيه لأن الموضوع يحتاج لوحده لمجلدات خاصة ..
ولا نركز في هذا المقتطف على المعلومات بقدر ما سيهمنا العمل إن شاء الله تعالى "

فنلخص لك أخي ـ يا طالب الهدى والنور  والمحبة والقرب - مقام الإسلام في:

1ـ مقام الفريضة: ويبدأ بالتطهر الأكبر للدخول في الإسلام وهو الغسل الأكبر الواجب عليك بداية .
ثم الشهادة بكل إخلاص : ودون أي رياء .. فالرياء هو الشرك الأصغر والذي سيبطل كل أعمالك ، وهو : 
أن يكون غرضك من العبادة غير الله تعالى وما سوى مرضاته ومراءاة الناس. 
 فتقول بكل إخلاص وبكل وعي وإدراك : "لاإله إلا الله محمد رسول الله" مع إستشعار الإيمان الخالص بالله وملائكته وكتبه ورسله وباليوم الآخر وبالقدر خيره وشره .
ودون أي هدف دنيوي دنيء من عبادتك ..
 ثم وبعد ترسيخك لنيتك الخالصة هاته عليك الإلتزام بأداء الصلوات الخمس ، فالصوم ، ثم الزكاة والحج لمن استطاع إليهما سبيلا.
ولهذا تكفيك كتيبات الفقه الأولي كبداية .

2ـ مقام النافلة: وتبدأ من أول نوافل الذكر وهي: تكرار لا إله إلا الله :"إن الإيمان ليصدأ فجددوه بلا إله إلا الله" 
ثم نوافل الصلاة وخصوصا الرواتب. 
فصوم التطوع كالأيام المباركة والأيام البيض والإثنين والخميس ..
فالصدقات ونفقات الخير ..
فالعمرات لمن يسر الله له ..
وإعلم أخي أن كل هاته النوافل مع الكثرة من ذكر الله تعالى وصلوات الرسول من فرائض سلوكك ..
 فلا تكفيك الفرائض إن كنت من العازمين نحو المقامات والأحوال العلى :
فتشبت رجاء بهاته النوافل كأسس أولى للإحسان بعض الفرائض،  فلا يتشبت بها إلا مومن.

3 ـ مقام المعاملة : ويعني التعامل مع كل الناس بالحسنى والصدق والخير والحق واللين .. 
وبكل الأخلاق الحميدة وكل موجبات المعروف ..

وهاته المقامات الثلات :
مقام الفريضة ومقام النافلة ومقام المعاملة :
هي التي تجعل إسلامك يرقى إلى الإيمان ثم إيمانك يرقى إلى مقامات وأحوال الإحسان بحول الله تعالى إن فررت إلى الله حقا وأتممت سلوكك ..
بل وهي أساس كل العرفان ..
بينما آفاق مقامات الإيمان ومقامات وأحوال الإحسان فهي متشابكة ويتداخل بعضها في بعض ، ومعظمها وهب لا كسب لك فيه ..
بل ولها تدعو عند كل قراءة لك للفاتحة:
ألست تدعوا لمقام المنعم عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين؟ فإرق لمقاماتهم وأحوالهم هاته إذن كما ذاقوها ..
وبالله لا بك: 
فما ذلك على الله إن اجتباك لها بعزيز :

وما هي إلا سلم صعودك في سماوية روحك وقلبك وفكرك ..
وفي كل جوارحك وضمائرك وجوانحك ..
قبل كل الكون:

وسيعترضك الشيطان بشدة إن كنت ذا همة عملية علية ، كما ستتكاسل نفسك ويغلب عليك في كثير من الأحيان الهوى ، ولهذا فإن الحال الذي يجب عليك تجديده على الدوام والعض عليه بالنواجد هو :
حال التوبة :
 وأول شروطه التوبة النصوح : 
أي التوبة التي تنصح صاحبها من كل ذنب ، ومهما صغر ..
ونهايتها التوبة من التوبة ، والتوبة كمقام :
أي توبتك من أخطاء توبتك ، وتوبتك من رؤية أنك التائب لا الله هو الذي تاب عليك.. 
وعند الفقهاء لا تتم توبتك هاته إلا بإستغفارك وندمك ، وعزمك على عدم العودة لذنوبك ..
 ثم تحررك من حقوق غيرك .. 
وأما في مدرستنا فإلى جانب ما فرضه الفقه الأصغر :
لا يكتمل أساس التوبة حتى تلتزم عمليا بستة منازل قلبية ، وهي:

1اليقظة: وهي ترك سكر الغفلات والإشتغال بالطاعات: 
فتقوم من سبات كسلك لتشمر على الإنضباط في الصلوات الجماعية أولا ثم رواتبها فنوافلها ..
فالأذكار الواجبة لك من تلاوة وهيللة وحمد واستغفار وحوقلة وتسبيح وتكبير وحسبلة وصلاة على الرسول صلوات الله عليه وأدعية مأثورة . 
فتلاوة وتجويد لكتابه تعالى .
وبكل حرص على أن لا تعصى الله إلا مكرها ..
وكلما وقعت في ذنب ومهما صغر أو كبر إلا وبادرت للإستغفار وللتضرع ولإستئناف التوبة وللصدقة وللتنفل..
 ودون أي يأس ولو وقعت في الكبائر  :
فلا كبيرة مع الإستغفار ..

2التفكر: وهو التأمل في الكون والعلم والنفس: 
فتكون مصرا على أن تعبد الله بفكرك كما تعبده بجوارحك : وأول عبادة لك هنا الصلاة بعقلك :
فلا تصل إلا وأنت تفكر في كل كلمة تقولها ،فتتمعن معاني كل ما تتلو من قرآن كريم وتسبيح وتكبير وغيرها من الأدعية والأذكار. 
مع إستعمال الفكر في الدراسة والتعلم بكل نباهة ويقظـة..
فتسعى للفهم العميق لا للحفظ والفهم البسيط...
ولن يكتمل لك هذا الفهم العلي حتى تبدأ بالتفكر في جسمك كيف أبدعه الله تعالى من تراب وماء مهين ، ثم سواه وعدله في أحسن صورة ..
فتتفكر في معجزات الله في نفسك ثم في غيرك إلى أن تتأمل الكون كله :
" سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق " ..
وبهذا تستهدف الحق والحقيقة معا كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم  لحارثة بعد أن قال له حارثة رضي الله عنه :لقد أصبحت مومنا حقا " فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم : " لكل شيء حقيقة فما حقيقة إيمانك "؟"
 فتحقق جزاك الله من حقائقك ومن كل شيء..
ونحن لحد الآن لا نتكلم إلا عن المقام الأول ..: 
حقيقة إسلامك وتوبتك .
فتحقق وحقق معنا ولا تكن من أولي الهمم الدنيئة ..
فحقق تتحقق وتكن محقا وذا بصيرة .

3البصيرة:وبدايتها المعرفة بالعيوب ونهايتها الفراسة التي لاتخطئ والكشف عن الممكن من الغيوب ..
والبداية هنا بدايتك من أحوال المراقبة الذاتية فيكون منك إثنان :
نفس تعيش. 
وقلب وعقل وروح يراقبونها بكل صرامة ..
ولن تغلب واحدة ثلاثة إن صبرت في البدايات. 
وخصوصا عندما تذوق عسل قلبك الذي هو :
حلاوة إيمانك ولذة عبادتك وبرد يقينك ..
وخصوصا عندما تصفو بصيرتك وينطبق عليها قوله عليه الصلاة والسلام :
"اتقوا فراسة المومن فإنه يرى بنور الله"..
وقوله صلوات الله عليه  : 
إتقوا فراسة المؤمن فإنها لا تخطئ.
لتطمع بعدها في مقامات وأحوال الشهود والكشف وكل الأذواق السامية كما سنبين لك فيما بعد.

4 العزم: وهو الجزم في إرادة وجه الله تعالى محبة لذاته لا غير :
 حيث يكون لك عزم ثابت لعبادة الله محبة لوجهه الكريم وللقرب منه لا غير..
وهذان المقامان" البصيرة والعزم" ليسا من مقامات أهل الإسلام ولا أهل الإيمان فقط ..
بل هما من أعلى مقامات الإحسان ..
فإعزم إذن على أن تحب الله حقا .. وتتقرب منه صدقا ..
و ليس بنفسك بل به سبحانه :
إذلا تصل لهذا إلا إذا تبرأت من حولك وقوتك لحوله وقوته :
" وإذا عزمت فتوكل على الله"
ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ..
ولا عليك وما منك إلا إخلاص النية والإجتهاد وعليه سبحانه وتعالى كل الثمرات.
بل وعليه سبحانه وتعالى كل التكلان.

5 المحاسبة: وهي سؤال النفس عن كل قول وفعل ونية ..
فتحاسب نفسك عن أي قول :
فلا تتكلم إلا لضرورة ومنفعة ..
وملغيا لكل لغو ولكل ذنوب اللسان :
" فمن كثر لغطـه كثر خطـأه" ..
كما تحاسب نفسك عن كل عمل :
 هل هو صواب وعلى السنة إن كان حلالا ؟..
وهل هو خالص لوجه الله تعالى ؟..
 فتصر على أن تتوب من كل قول سفيه وكل عمل ذميم ومن كل نية ناقصة .

6 المراقبة: وهي الشعور بحضرة الرقيب تعالى : 
فتراقب نفسك لأن هناك من يراقبك :
وهم الملائكة بعد الله تعالى. فتراقب نفسك كما سلف وأنت تستشعر مراقبة الملائكة الكرام عليهم السلام والله سبحانه وتعالى لك :" فإنك بأعيننا "

وبهاته المنازل الست تكون قد عمقت أسس توبتك ، وفي نفس الوقت بنيت كل ركائز المقامات والأحوال العلى ....

ومن علامات قبول التوبة بمقاماتها الست هاته وبعد إخلاصها  أربع منازل أخرى وهي :

1الإنابة:وهي الرجوع الكلي لله في كل صغيرة وكبيرة ..
فتكون من الأوايبن كما الأنبياء :" إن إبراهيم لحليم أواب" ..
وهاته الإنابة هي بداية فرارك نحو الله تعالى :" ففروا إلى الله" .
وبداية رجوعك منك إليه .

2التذكر: دوام الذكر والعلم والتفكر والتضرع ..
 فيكون لك وردا يوميا من الذكر والدعاء السنيين المأثورين بعد كل الصلوات وخصوصا عند الشروق وقبل الغروب ..
 كما يكون لك وقت معلوم لتلاوة وتجويد القرآن الكريم ولدراسة القرآن والعلوم ما استطعت .
لعل الله يمن عليك بالشعور بحضرته في كل حال وفي كل مقام ...

3الاعتصام: الإستجارة بطاعة الله من معصيته ..وبالثقة به من كل تخوف ..
وهاهنا يلزمك التحقق من  :
  لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم . فتتحقق من عجزك الكامل ومن قدرته سبحانه وتعالى المقتدرة: 
فتعتصم بقدرته ولا تتكل إلا عليه ..
ولن يتم لك هذا إلا إذا تحررت من حولك وقوتك فإحتميت بطاعته فارا من معاصيك ما استطعت أولا .

4 الفرار لله: وهو نتيجة إنابتك إن كانت صادقة ..
وبداية السلوك نحو كل رحاب الأحوال والمقامات العلى :
فتزهد في كل ما سواه سبحانه:
وهذا الزهد يعني زهدك في كل حرام فلا تأخذ من دنياك إلا الحلال أولا: 
ولا يعني هذا زهدك في بعض الحلال مخافة الوقوع في الحرام فذاك مقام الورع الذي لم تصله بعد.
ومن نتائج هاته التوبة النصوح بشروطها الأولى ومنازل قبولها هاته كل أحوال ومقامات السلوك  مثل :

ـ الخوف: وبدايته خشية العذاب ونهايته خشية مكر الله ولو سبقت البشرى بالفلاح..وبهذا تخاف الله تعالى هيبة من ذاته تعالى ورهبة من عذابه.. فعذابه أليم شديد.. وتخاف أيضامن غضبه: فالمحب لله يخشى غضب حبيبه ..ومن نقمته و فتنه ومن كل ما يمكن أن يصب عليك من انتقام على معصيتك أوكفرك ...وبالتالي مهما انضبطـت على الأوامر واجتنبت النواهي يبقى أمنك من مكر الله مبعدا :إذ" لا يامن مكر الله إلا القوم الخاسرون" فتخشاه مهما صفت لك العبادات ..بل وحتى لو كنت من المبشرين بالجنة كما بعض صحابة رسول الله ..إلا أن الخوف من عذابه يختلف عن الخشية من مكره التي تختلف عن الرهبة من داته سبحانه :هاته الرهبة التي تعني الخوف من مقامه تعالى"ولمن خاف مقام ربه جنتان"
فالخوف إذن أنواع ثلاثة:
ـ خوف العذاب والغضب والنقمة ـ خوف المكر ـ خوف المقام

ـ الإشفاق: وهو قمة الخوف لحد وجل القلوب وقشعريرة الجلود..وغالبا ما يكون عند محاولة الثبات على التوبة النصوح إن كان هناك نية خالصة وعزم على التوبة..فيخاف التائب من العقاب عما سلف ومن الفشل في التوبة في الوقت الذي يحاول أن ينضبط فيه على الإستقامة..وهذا الإشفاق كلما قوي كلما أعان على الصبر وسهل الإستقامة وأعان على نجاح التوبة.وأثمر الشفقة أخيرا على النفس وكل الخلق.

ـ الخشوع:وهو انضباط العقل والقلب والروح مع العبادات لحد خشوعها لله في كل الأوقات ..وعند قوة الخشوع واستمراره يشعر الخاشع دوما بمعية الله تعالى وحضوره معه لحد الإستغراق دوما في العبادة والوله بالله.. ويبد أ الخشوع بطمأنينة الجوارح ثم الجوانح في الصلاة .حيث يحاول المصلي أن تكون صلاته خاشعة فيستحضر الفكر دوما في قراءته وتسبيحه وتكبيره وكل دعائه..مع التزام جوارحه بالحركات السنية للمصلي بكل انضباط وبطمأنينة تامة في كل حركات الصلاة.. إلى أن يخشع القلب متمتعا بهذا الإنضباط الظاهر والباطن.. فيحس المصلي بالسكينة والراحة في صلاته " أرحنا بها يا بلال".
ولن يتم هذا إلا بالتفكر والإنضباط في اقوال وحركات وسكنات الصلاة.


ـ الإخبات:سجود القلب بكل خشية والإلتزام بكل طاعة:وهو قمة الخشوع القلبي ولا يحس به عابد إلا تذوق جرعا كبيرة من الطمأنينة أثناء العبادات ..وكان له تلذذ بالطاعات وذاق حلاوة إيمانه.إذاك يدخل في رحم ميلاده المعنوي بعد أن كان ماديا يكاد لا يرى إلا الجوانب المادية للحركات والسكنات والأشياء..فيتقوى لديه الميل نحو الحكمة والمعاني والإشارات فيكون علقة معنوية ما عليها لتكتمل إلا أن تتم سلوكها نحو مقام المحبة .وأول موجبات المحبة قوله صلوات الله عليه :" إزهد فيما عند الناس يحبك الناس وازهد في الدنيا يحبك الله":

ـ الزهد:بدايته تحقير الدنيا ونهايته اليأس مما دون المولى والزهد في الآخرة..فبداية الزهد إذن أن يتحرر قلبك من حب الدنيا مهما حلت لك ومهما ملكت فيها: وليس الزاهد هو الفقير من الماديات بل الزاهد هو من كان قلبه خاليا من حب الدنيويات مهما عظم ملكه :فذو القرنين وسليمان وداوود عليهم السلام
مسكوا الدنيا لكنهم كانوا رغم ذلك فيها من الزاهدين ..كما سيمسك المهدي عليه السلام كل الدنيا لحد استخراجه منها كنوز بني إسرائيل وكنوزبيت المقدس لكنه رغم ذلك عند الله من الزاهدين : فالزهد إذن ليس الفقر المادي بل هو الغنى المعنوي مهما كان الفقر أو الغنى الماديان.وكلما قوي الزهد في القلب كلما قويت الروح لحد زهدها ..وزهد الروح هو زهد المحسن فيما سوى الحبيب سبحانه وتعالى : فلا يرجو من المولى عز وجل غير وجهه الكريم ويعبده محبة فيه لا لجنة يصيبها ولا حورية ينكحها بل يكبر زهده لحد استواء الدنيا والآخرة في قلبه ...فلا يكون له طمع أبدا في المخلوق: بل غايته الخالق والفناء في محبته سبحانه: فيستحي أن يطلب الجنة كأجر على عبادته بل كل مطمحه القرب من الله وبذلك يسعى ليكون حقا من المقربين السابقين:" والسابقون السابقون ..أولئك المقربون " وهنا بعد أن كان من المتنافسين في السلوك" وفي ذلك فليتنافس المتنافسون"..يصير من الطامحين للمقامات العلى:"وأما إن كان المقربين فروح وريحان وجنة النعيم" وبهذا يكبر زهده لحد زهده حتى في بعض الحلال.

ـ الورع:ترك المباح مخافة الوقوع في المكروه والحرام ..ويبتدئ مع القوة في التوبة النصوح إذ يتورع التائب دوما عن الحرام لحد اجتنابه لكل الشبهات ولو كانت هناك فتاوى تبيحها ..بل لحد اجتنابه للعديد من أنواع الحلال التي تطبثه عن القوة في سيره وسلوكه وتحجب عنه لذة العبادة وحلاوة الإيمان

ـ التبتل: دعاء الجوارح كلهابكل انكسار والإنقطاع للعبادة..بحيث كلما توفرت له الظروف سارع :











للإعتكاف أو العزلة للتعبد وطلب العلم والإبتهال بكل أنواع الطاعات : ويعينه على هذا التبتل ما يذوقه فيه من حلاوة الخشوع وشغف من ما يلمسه من معاني وحكم خصوصا إذا عكف على دراسة القرآن والسنة و حكم العارفين وعلى تفسيرهم للكتاب الحكيم والسنة الشريفة..وهنا لا بد له من سنة الإعتكاف في المسجد اوغيره متى استطاع.


ـ الرجاء :بدايته الأمل في كل رحمة ونهايته حيرة الهدى والبشرى بالولاء : حيث يبتدئ الرجاء مع بداية النية الخالصة ..إذ لولا الرجاء لما كانت هناك عبادة ولا محبة ولا أحوال ولا مقامات ..بينما ولو لم يكن هناك خوف لكانت هناك العديد من الأحوال والمقامات ..وبذلك ارتفع مقام الرجاء على حال الخوف فالخوف رغم أن هناك من يعده مقاما يبقى الرجاء مقاما ليس دنيويا فقط بل هو مقام حتى في الجنة والحمد لله..وبدايته الأمل في النجاة من العذاب والفوز بالجنة وقبول العمل ومعونة الله للعبد دنيا وآخرة بينما نهايته رجاء المحسن أن يكون من أهل الخصوصية والإجتباء ومن المقربين لحد حيرته الحيرة التي يصلها ووصلها العديد من الفانين في محبة الله والمبشرين بالجنة ..كما قال أبو بكر :" العجز عن الإدراك إدراك" وهي جملة لا تفسر بل تذاق كما ذاقها العديد من صديقي الأمة.

ـ الرغبة: تمني كل محبوب..وهي قوة كبرى في الرجاء وإصرار عليه وبها يعظم الرجاء وتعظم كل غاياته..وهي من المقامات المهمة للزيادة في قوة الفرار نحو الله والسلوك إليه.

ـ تعظيم الحرمات : تقديس الشريعة واحترام الشعائر وتلك تقوى القلوب إذ يصير القلب هنا حقا من قلوب المتقين فلا يقترب أبدا حراما ويجتهد في الحلال كما يقدس كل ما له صلة بالمقدسات كالكعبة الشريفة والمساجد الثلاث : الحرام والنبوي والقدس.والمصحف والكتب الإسلامية ويبجل العلماء كما قال الرسول صلوات الله عليه:" بجلوا علماءكم"لحد شعورة بقيمة كل أهل" لا إله إلا الله "فتكون عنده أذية المسلم كبيرة مهما صغرت.

ـ الإخلاص :بدايته خوف الرياء ونهايته الصديقية: وهو أن تكون غاية العمل هي الآخرة وإذا قوي تكون هي وجه الله الكريم.. فيعبد العابد متحررا من كل شبهات المراءاة: كأن يطلب أجرا ماديا أو معنويا على عبادته أويبتغي من العبادة رضى الخلق لا جنة الخالق ورضاه...وإذا كان هذا الإخلاص قويا صفى من كل ما يناوشه..وإذا صفى وكان حسنا ساعد على طلب المقامات العلى من مقامات المحسنين وهي:

ـ الصديقية:وهي ثاني مقام بعد النبوة وتاجها القربة حيث يكون المحسن من أقرب المقربين وهما مقامان بعد مقام الكشف تذاق ولا تشرح..ولبلوغ هذا سمى الرسول صلوات الله عليه أبو بكر صديقا ..وسمى الله مريم العذراء عليها السلام صديقة ..وأمرنا الله باتباع سنة هؤلاء الصديقين الذين أنعم عليهم :" الذين أنعم الله عليهم من الصديقين والشهداء والصالحين " والصديقون هم كبار الأولياء .

ـ التهذيب:التخلق بالمكارم واجتناب كل السفاسف : وعند هذا المقام تبدأ المعالجة الحقيقية لكل الأعمال والأحوال ،والمراقبة الصارمة لأعمال الظاهر والباطن فتكون كل أعمال الجوارح والضمائر والجوانح بميزان ،وبكل تريث.. فيبدأ الكمال في المعاملات والأعمال.ويبتعد المحسن هنا على كل المعاصي والدناءات وتلك هي :


ـ الإستقامة:الإنضباط على الشريعة باطنا وظاهرا..فيستقيم القلب والفكر وكل عمل مهما صغر أو كبر على ميزان الثبات والحكمة..فينضبط المحسن انضباطا تاما لحد أن العديد من النوافل تصير لديه فرائضا..وأول ما يؤكد للمحسن استقامته رضى البر والفاجر عليه إلا الشواذ والظلمة.

ـ التوكل :الإعتماد على توفيق الله دون تعظيم الأسباب : وبهذا يتأكد العابد من فقره وضعف حوله وقوته مستجيرا بحول الله وقوته في كل شيء ..وهنا يتحقق من معاني وأنوار : لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم " فيعمل باجتهاد ويترك الثمرة على الله تعالى ..فتغيب عن فكره كل الأفكار الضبابية

وعن كل إحساسه معاني التشاؤم ..فيسبب لكل مبتغياته دون الإعتماد على السبب، فالذي يسر له السبب سييسر بحوله وقوته نتيجته متى وكيفما وأنى شاء..وهناك فرق بين المتوكل والمتواكل الذي لا يجتهد بالعمل ويقول أنا من المتوكلين: فليس هذا بمتوكل بل متواكل ..والتواكل حرام في الإسلام فهو كسل وعجز أمر الرسول صلوات الله عليه بالإستعاذة منهما. نعوذ بالله من العجز والكسل آمين.

ـ الثقة:محو النفس من كل نيةناقصة..وهو أن يكون المسلم واثقا من معونة ربه ويكون المومن واثقا من توحيده وقويا في ثباته.. ويكون المحسن واثقا من محبته لله.. ويكون العارف بالله واثقا من ولايته..فيمحى عنهم كل شك ناقص : وتكون الثقة في الناس سابقة عندهم عن سوء النية فيهم كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم..لكن هذا لا يعني تغابن المسلم ف"المومن كيس فطن " أبي راجح العقل ذو بداهــة ونبوغ وذكاء.

ـ الصبر: الجلد مع البلاء ابتغاء لوجه الله: وهو تحمل كل البلايا والمصائب والأوجاع والآلام والفتن دون شكوى للخلق:بل وبكل تضرع للخالق وحده وكل إصرار على المزيد من طاعاته..ولولا مقام الصبر لما وصل لأعلى هاته المقامات إلا اليسير ..فهو بنزين السلوك ووقود الفرار نحو الله ..وكلما تكهربت الأحوال بمرض او مصيبة أو فتنة أو بلاء كلما ازداد المخلص خشوعا وتضرعا ..وكلما قوي هذا الخشوع كلما قطع السالك مقامات بأحوال لم يكن ليذوقها دون صبر لحد استغراقه التام في العبادة وزهده التام في الدنيا إن عظم له البلاء وتمكن من قلبه الإخلاص.

ـ الرضى: استواء البلاء بالنعم..فيرضى المحسن عن قضاء ربه وقدره بخيره وشره وذاك من مستلزمات الإيمان..ويبتدئ صدق الرضى بعدم الرضى عن النفس بينما لا يكتمل إلا بكمال الرضى عن الله..فلا يرضى المحسن عن نفسه مهما صفت أحوالها :فيرى حسناتها من الله وكل سيئاته منها ..إذن فهي معدن الشر والسوء لولا منة الله عليها بالغفران والإستقامة والتوبة.

ـ الشكر:ونهايته العجز عن الحمد..بينما من بداياته حمد الله على الأقل في فاتحة الصلوات وعند نهاية الشرب والأكل ليكبر لحد اتخاد الحمد لله وردا من الأوراد اليومية ..كما أن من مستلزمات شكر الله حمده على كل نعمه المتعلقة بك وبغيرك وشكرك كل من أسدى لك أو لغيرك معروفا:" ما شكرني من لم يشكر الناس"بينما من نهاياته الحمد المطلق الذي ليس له صلة بنعمة فتحمد الله محبة له وعلى منته بأن يكون لك إلها وإلا لكان استعبدك لأدنى مخلوقاته..والتأمل في الشكر والحمد بتفكر في الخلق وأسماء الخالق سبحانه تودي إلى العجز عن حمده سبحانه ..فحمدك له يحتاج لحمد آخر إذن فلا تستطيع حمد الله مهما بلغ بك البيان واليقين.. لكن لتعلم أن الله مهما أنعم عليك من عظيم النعم فالحمد لله خير منها..

ـ الحياء :بداية التوقير للرقيب سبحانه..وهو أن تنفر مشاعرك وأحاسيسك ومنطقك من كل الدناءات لحد ظهور ذلك على محياك ..والحياء لا يعني الخجل الذي يعد مرضا من الأمراض النفسية: فالخجول هو الذي يخجل من أية مواجهة مع الآخر بينما المستحي ليس خجولا وإنما ذو روح أبية وهمة علية.

ـ الصدق : فرض الصديقية الأكبر وأساس كل ولاء..وهو أن تكون أقوالك وأعمالك كلها حقة ..وهو الفرض الدائم على المومن الذي يجب أن يتحرى هذا الصدق ببحثه على الحق والحقيقة ..لأن هناك الكذب العمد وهناك الكذب الذي يأتي بسبب عدم تركيز المتكلم.. كما أن هناك الكذب الذي يعني الخطأ في الفكرة ..وحتى يتجنب المومن كل هذا عليه بالتفكير وعدم التسرع في القول والبحث دوما عن الحقيقة والحق وذاك هو التحري الذي قال فيه الرسول صلوات الله عليه : ولا يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقا"

ـ الإيثار: وهو تفضيل الآخر رغم الحاجة..حيث لا تكون الأنانية بشقيها: ـ لا الأنا العليا ولا الأنا السفلى ـ طاغية على المرء.. فيسعى لخدمة الآخرين قبل خدمة نفسه ، لحد تفانيه في خدمة كل المجتمع بل والأمة فلا تكون أعماله وأنشطته متعلقة بطموحاته النفسية ..بل تكون له العديد من الحركات الإجتماعية من أجل خير المسلمين بل وكل الناس ..أوعلى الأقل يفضل الآخر على النفس عند تساوي الحاجات.

ـ التواضع: عدم الشعور بالتواضع..ويعني بداية استصغار النفس وعدم تعظيمها أو الشعور بعلويتها على الآخرين ..ولا يتم هذا إلا لمن كانت معاملته جد رقيقة ولينة مع كل الناس لا يتكبر عليهم بقول ولا فعل ولا حركة أو إشارة ..ومن يحس بأنه يتواضع للناس فتواضعه لم يكتمل بعد لاعتقاده الباطن بتكبره الخفي .

ـ الفتوة:التجرد بكل عزم وإصرار وبسالة لخدمة الإسلام والمسلمين ..وهذا لا يتسنى إلا بعد التشمير للعبادة بانضباط تام على الفرائض بل والنوافل والأوراد .. فلا يريد إلا الآخرة مهماأ قبلت عليه الدنيا.

ـ الإرادة:اليأس مما سوى المعبود سبحانه لوجهه وحده..وهي العزم والفتوة ونية العبادة بكل الأحوال والمقامات بغية وجهه الكريم وحده..وبغية الوصول وتذوق ما ذاقه الصادقين في الفرار والسلوك لله سبحانه.والمريد لقب من ألقاب السالكين كالمراد الذي تسبق له الأحوال قبل الإرادة لكن عند التحقيق فكل مريد مراد وكل مراد مريد.

ـ الأدب : التخلق بصفات العبودية..حيث تكتمل للعبد أخلاقه مع ربه تعالى ومع الناس بل ومع الحيوانات والطبيعة ..فيكون مهدب السلوك متأدبا داعيا بحاله قبل مقاله لكل أخلاق الإسلام السامية.

ـ اليقين: ذروة الإيمان وهو العلم بالإيمان..وتيقن من الشيء يعني تأكد منه ونفىكل شك فيه..وهنا يكتمل للمومن إيمانه فيسمى موقنا ..وهو كمال الإيمان وهذا لا يتم إلا بعلم :فهناك من اكتمل له الإيمان القلبي لكن لا يكتمل الإيمان العقلي والفلسفي إلا بعلم اليقين الذي هو علم من أرقى علوم الإحسان.

ـ الذكر:عدم غفلة القلب عن المحبوب سبحانه..ويطلق غالبا على ذكر الله بالباقيات الصالحات: "لا إله إلا الله ـ الله أكبر ـ سبحان الله ـ الحمد لله ـ ولا حول ولا قوة إلا بالله " والإستغفار والصلاة على النبي صلوات الله عليه وتلاوة القرآن..لكن عند التحقيق فكل العبادات ذكر لله ..ومن أكثر في العبادات ونوع فيها فهو الذاكر حقا.

ـ الفقر: الغنى بالله وحده..حيث يحس المومن بفقره التام "لا للدنيا ولالنعيم الآخرة" بل لفقره لمحبوبه سبحانه وتعالى: وذاك من كمال العبودية وحقيقتها، فما قامت إلا على فقر الكل لله وغناه تعالى عن الكل .فحقيقة عبوديته هي حقيقة الإفتقار إليه ..لحد اليقين بالفقر لله وذاك هو الغنى بالله.

ـ الإجتباء : الإصطفاء والإختيار..وهنا تظهر للمريد بوارق وواردات تحثه على التشمير في السلوك وتبشره بالعناية الربانية به لحد تبشيره بالولاية والجنة كما بعض الصحابة والأولياء.

ـ الإحسان: الشعور بحضرته سبحانه وهو كما قال الرسول" أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك " وهنا يشير صلوات الله عليه بجوامع الكلم للمقام الأول في الإحسان: وهو الشعور بأنه يراك وذاك مقام المراقبة ..ثم لحال الشهود والمعاينة والكشف : كأنك تراه ...بينما يبقى الإحسان هو إتقان كل عمل وقول وحركة وسكون بضبطها التام مع الشريعة.

ـ العلم: الإعتراف بالجهل..إذ قمة العلم قولك " الله أعلم " فتتحرر من علمك الضيق لعلمه الواسع لحد نهلك من عرفانك به سبحانه.. وذاك هو علم اليقين والعلم اللذني وعلم الكتاب وغيرها من علوم الراسخين في العلم..فتتحرر من علوم اللسان والحروف والرسوم لعلوم العرفان كلها.

ـ الفراسة: فكرةالبصيرة .. وهي العين الباطنة القلبية التي يرى المومن بها الشيء على حقيقته مهما حاول الآخر إخفاءه .. كما قال عن ذاك الرسول صلوات الله عليه: اتقوا فراسة المومن فإنها لا تخطئ وفي رواية فإنه يرى بنور الله"

ـ السكينة:اطمئنان الباطن والظاهر..حيث يحس المحسن بسكون في فكره وقلبه يوقظ فيه كل المشاعر الربانية من تأمل عميق وإحساس بالسعادة الحقة التي هي صفاء الفكر والقلب وشفافية الروح .

ـ السماع:ذوق معاني وأسرار القرآن والشعر والحكم..حيث يولد لدى المحسن فهم الإشارات والمعاني وما وراء الأقوال والسطور ..فيكون مستمعا بفقه قلبه وشفافية روحه لا بدماغه وأذنيه فقط. .

ـ الجمع: الفناء عن الأنا والشعور بالله وحده..حيث تغيب على المحسن كل مميزات ذاته لانغماسه في العبودية والتفكر في الله سبحانه كلاما وصفاتا وأسماء وأفعا:لاحتى يرى كل العوالم وأعمالها من الله : "والله خلقكم وما تعملون " فيرى فعل الله في كل شيء ..كما يرى يقينه بالله في قلبه وفكره ومحبته فياضة على روحه وذاك هو الفناء في الله لحد الغيبوبة عن الأنا واللهج بالمحبوب تعالى وهنا قال البعض:" أنا من أهوى ومن أهوى أنا " ولا يكون هذا إلا باكتمال المحبة وفرائضها وكل نوافلها.لكن هذا ليس حقيقة بل هو من الشطحات الذي استعاذ منها الكمل من الأولياء وهي أحوال قاهرة مرت على بعض الأولياء ..لكن الخطأ في أن البعض يقرأها على حرفيتها لا على شاعريتها وشذوذها.ومن ذاقها سيعرفها.

ـ الفرق: الرجوع للشعور بالنفس..وبعد أن يغرق المحسن في العبادة لحد استغراقه الدائم يقظة ومنانا في العبادة واللهج بالمحبة دون شعور بماهيته ..حيث يفنى كل إحساس به وبالعالم كله ..يأتي لطف الله ليخفف عنه شدة هذا الإستغراق فيعود للشعور بشخصه ثم العالم وذاك هو مقام الفرق.

ـ الحضور: الوعي بمعيته عز وجل ..حيث يحس دوما بحضرة الله تعالى وبأنه حاضر معه وذاك من تذوقات قوله تعالى:" فإنك بأعيننا"..فتكتمل عنده كل مقامات المراقبة ولوازمها وبذاك يرقى لمقام الحضور كما الرسول صلوات الله عليه وكذلك مهدينا عليه السلام الذي سيظل خاشعا لله رغم خلافته العظيمة.

ـ السكر: فقد الإدراك بحيرة ما فوق كل إدراك... وهو قمة الخشوع في العلوم والعبادات إذ تسيطر الأفكار والواردات الباطنة على العقل والشعور حيث يغيب المحسن عما سوى مشاعره ..وإن كان عرفانه لم يكتمل بعد كانت له شطحات كلامية أو حركية نعوذ بالله منهاكما سبق.

ـ الصحو: عقلنة المعاني بعد السكر بوارداتها..فبعد قوة الواردات والغرق في الإستغراق في العبادة يعود المحسن الذاكر للشعور بحركاته وأقواله وكل كيانه ..فيصحو للوجود بعد أن غاب عن كل موجود.

ـ الهمة:ما أهم الباطن ..وهنا تكون همة المحسن عالية لا يرجو بها غير وجهه الكريم فيعبد الله لأنه يستحق العبادة أولا وأخيرا ..ورجاؤه من العبادة متعلق بالذات والصفات لا بالمخلوقات مهما عظمت ولا حتى الجنة.فتبقى الجنة عنده وسيلة لا غاية.

ـ المحبة: العشق الإلهي.. وهي كمال معرفة الجمال والجلال ..فيفيض المحسن شوقا لمحبوبه سبحانه وتعالى ..بعد أن اكتملت المعرفة فكرا وبدأت أذواقها تنعش القلب والروح باطنا.

ـ الغيرة: التنافس على القرب والكمال..لحد الغيرة من كل كل عمل يشين للعبادة.

ـ الوجد: الشعور بلذة العبادة وحلاوة اليقين.. وهو تذوق المعاني وتذوق الخشوع لحد التلذذ بهما ..ولكل عمل وكل صفة من صفات الله وجدها ..والوجد هو أن تجد المعنى الباطن للذكر أو العبادة أو الفكرة أو النظرة.

ـ البرق:النور اللامع سريعا بالواردات..وهو وارد سريع جدا يحث المحسن على السير ويملأه طـاقة للسرعة في الفرار نحو جنابه تعالى.

ــ الغيبة:نسيان السوى..وليست السكر بل هي الغيبة عن كل ما سوى المذكور لحد الغيبة عن النفس ذاتها وعن الشعور بكل الوجود ..فلا يبقى الشعور هنا إلا بوله المحبة .

ـ القرب: استشعار محبة الروح..والشعور حقا بأن الله تعالى أقرب من حبل الوريد ..والقرب الذي نعنيه هنا هو تأكد المحسن من قربه من الله وقرب الله منه وهو مقام للمقربين فقط..

ـ البعد: فقدان كل المواجيد ..وهو من أصعب أحوال المحسنين : فبعد أن ذاقوا نعيم الأحوال والمقامات يغيب عنهم كل وجد وكل حال : لحد شعورهم ببعد فكرهم ومشاعرهم عن الله لا عن التدين ..وهو حال يحتاج فيه المحسنون لصبر كبير وذكر أكثر.

ـ الوله: الشغف بذكر المحبوب في اصطلام..وهو فيضان المحبة لكن في صبر وخوف لافي أنس ورجاء

ـ السحق: الشعور بالعدم وهو حال يسحق الله به كل أنانيات وعيوب المقربين. فيشعر المقرب كأنه صفر وجودي أو كأنه شبح.

ـ المحق:ضيق السجن في العدم..وهو شعور ثاني بعد السحق بعدمية الوجود فيحس المقرب كأنه صفر سالب مسجون في صفر موجب ..وهو من أشقى بل هو أصعب حال.

ـ الإصطلام : حرارة الولع بأشواق القرب .. وحرارة المحبة والقلب لم تخمد فيه بعد نيران الأحوال الصعبة..

ـ الوصل:رؤية السر وهو يرى ولا يشرح : فأسرار الربوبية لا تفشى .

ـ العبودة: الشعور بتحرر الأنفاس بالعبادة..وهي العبادة الحرة وعبادة المبشرين بالجنة فيعبد المحسن الله متحررا من كل الأحوال الناقصة وباكتمال كل المقامات الواجبة .وهي عبادة أهل الولاء التام.

ـ الذوق: فهم المعاني والشعور بالمواجيد..ولا يكتسبه كل مسلم بل للذوق ميلاد مع قوة الإيمان وكثرة الذكر .وكثرة الذكر والفكر تقوي الذوق القلبي بالمعاني المرجوة من العبادات.

ـ الصفاء: نقاء السرائر من كل ناقض للمحبة..فيرجح العقل ويطهر القلب وتشف الروح ويتنظـف الجسم.

ـ الفرح: السعادة بفضل الله والبشرى بمننه..فلا يفرح القلب أبدا بالدنايا بعد أن فرح بالسكينة الباطنة والطمأنينة الكاملة وبرحمة الله وفضله .

ـ السر: ما لايكشف وما لايعبر عنه

ـ الغربة: التخلص من كل العادات المألوفة للناس..والشعور بالتميز عن العديد من العابدين.

ـ التمكن: البشرى بالإجتباء..والتمكن من فهم السر.. واليقين في الوصل.

ـ القبض:ضيق يستشعره كل سالك بتكرار..وهو حال متكرر في كل السلوك .

ـ البسط :الفرح بعد قرح القبض ..وهو منة من الله لمعالجة القلب والفكر والروح من القبض.

ـ المعاينة: المشاهدة بعين اليقين.. وهي مشاهدة في عالم الغيب. ترى ولا تشرح.

ـ الهيبة:قشعريرة الشعور بالعظمة والخوف والمحبة معا: فيستشعر المحب العديد من المعاني القلبية ومن الصفات الربانية فلا يزيد إلا هيبة من الحبيب الرحمان تعالى .

ـ الحياة: تذوق المعاني الباطنة بالملكوت ..وهو ميلاد الروح في عوالم المثل والمعاني فيكون للقلب عالمه وللروح عالمها وللفكر عوالمه كما للجسم عالمه.

ـ الأنس:الإنبساط بذكره مع الشعور بحضرته سبحانه..وهو حال التلذذ بالقرب.




ـ المعرفة: العلم بأسرار إسم "الله" سبحانه..وهي ذوق رغم أن منها ما يشرح. وهي العلم بالله كما قال الرسول صلوات الله عليه عن أبي هريرة ض : " من العلم كهيئة المكنون لا يعلمه إلا العالمون بالله فإذا تكلموا به لا ينكره إلا أهل الغرة بالله" فهذا هو العرفان بالله وعلم الحقائق.

ـ رعاية الأسباب : العمل بالعلل مع تحقيرها..فيجتهد المحسن بالأعمال مع إتقانها لكن بتحقيرها ليقينه بأن الثمرة من الله لا من السبب ..والسبب وسيلة وليس هو المسبب سبحانه.

ـ استئناف التوبة: التوبة من علل الطـاعات..والتوبة واجبة دوما حتى للأولياء ومستحبة للأنبياء أنفسهم وهي تاتي بعد اكتمال السلوك وذوق ثمراته والتمكن من نتائجه.


ـ استئناف التوحيد: العلم بالأحدية..وهو علم صعب جدا لا يقدر عليه إلا المجتبين من أوليائه ..وكل من قرأه من غيرهم لا يطيقه لحد تكفير بعض العلماء لبعض الأولياء الذين تكلموا في هاته العلوم.وهنا يرى المحسن حقا أن لا إله إلا الله أثقل من السماوات والأرض كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم.

ـ الشهادة: التأكد من التوحيد..وهي الشهادة بعد العلم بها فكرا وقلبا وذوقا وذاك هو علم اليقين .

ـ الفناء : سحق الأنا بإفراط الشعور بالمحبة وتجمع بين الغيبة والسكر .

ـ البقاء : ذوق كل أسماء الألوهية في كمالاتها..وكمال المواجيد والحكم الربانية في القلب والفكر والروح..فتكتمل هنا ألوهـة العبد لا ألوهيته.والألوهة هي تحقق الروح من كل الصفات الإلهية المجازة للعبد.وشرحها سيأتي بحول الله مع فقرة " فاتحة التخلق بالأسماء الحسنى"

ـ المحو: مسح كل صفات النفس..فلا تكون النفس إلا قلبية ولا يكون القلب إلا روحيا ولا تكون الروح إلا سماوية.




ـ الإثبات : تأكيد أوصاف الربانية: فبعد محو كل الصفات الذميمة تثبت كل الصفات المحمودة وتلك أخلاق الربانيين.


ـ الشهود: رؤية البصيرة لأسرارها بالأفق الأعلى وهي نافذة تفتح على عوالم الحقائق والمثل.. وترى ولا تشرح.

ـ الكرامة: معجزة الولاية.. وهي برهان من الله لبعض الأولياء على اجتبائهم ولا تكون لهم كلهم.










ـ الولاء: العبودة التامة وتحقيق الربانية لاالربوبيةوالألوهة لا الألوهية.


ـ الجذب: انهزام المشاعر أمام قوة الواردات..وغالبا ما تكون للمرادين الذين تأتيهم الأحوال الكبرى للسلوك لله قبل بدايته .وهي انهزام العقل أمام تذوق الحكم والحقائق.
ـ الحقيقة: التحقق من المثل الأعلى..ورؤية كل شيء على الحقيقة فالرسول صلوات الله عليه قال: "لكل شيء حقيقة "..ولهذا يدعوك هذا الكتيب: لحقائق الإسلام والإيمان والإحسان لا رسومها.وهذا هو الفقه الأكبر كما قال أبو حنيفة رضي الله عنه.


ولهذا أخي الطالب ربما أنكرت بعض هاته الأحوال والمقامات لتشبتك بالفقهيات فقط : فاعلم أننا نشرح لك حقائق السلوك نحو رحاب القرب من الله تعالى وهو الهدى الذي تدعو به في الفاتحة بقولك " إهدنا الصراط المستقيم " فهاته هي مقامات الهدى التي قال عن سبلها الله تعالى : " والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا " والهداية لهاته السبل إنما هي هداية للسير والسلوك والفرار نحو الله الذي هاته معظم مقاماته وأحواله ..لكن لا يذوقوها إلا من اكتمل صدقهم ..فالصدق فرض السلوك وأساس الصديقية .
واعلم وفقك الله أن هاته المقامات من المقامات التي أجمع عليها كل أولياء الله الصالحين ..فإن لم تذقها فسلم لمن ذاقوها ..وهي أذواق لا تأتي مقاماتها العليا إلا لمن اجتباهم الله لولايته.فإن لم تعم في أعالي البحار فسلم لمن أتاك منها بجواهرولآلئ..وحذاري أن تقول الإسلام ما فهمت ..ولا أن ترفض الفقه الأكبر باستغناء بفقهك الأصغر ..لكن "الله يجتبي إليه من يشاء" ولفقه المجتبين ندعوك يا طالب النور والهدى ..أما إن كنت تطلب فقط علم الحلال والحرام فتكفيك السنة الظاهرة بالبيان اللغوي...لكنا نريد ان نرقى بفكرك نحو برهانية الإيمان وعرفانية الإحسان..فلا تحقرن نفسك ألهمك الله إشاراتنا :
" لو تعلقت همة المرء بما وراء العرش لنالها"