إعلم أخي وفقك الله للهدى المبين أن هذا القرآن الذي تقرأ وتتدبر ، والسنة التي تريد أن تتبع ، قد اقتدى بهما سلفنا الصالح ..
وكان منهم من لم يكن فهمهم بسيطا كما حال معظمنا اليوم ، بل كان فهما جوهريا وحكيما لكل الكتاب ولكل السنة:
فبعلم هؤلاء نتشبت :
علم المنعم عليهم من الصديقين والراسخين في العلم :
وعلم الذين أنعم الله عليهم من الأولياء الصالحين..
وهؤلاء حينما مارسوا التدين وذاقوا ثمرات الولاية إستنطوا كما استنبط رسول الله صلى الله عليه وسلم :
بأن الفهم والعلم والعمل درجات .
ولهذا فإن تدين الصحابي والولي ليس هو تدين العالم والفقيه في شرع الله فقط ، بل هناك العارفون بالله تعالى الذين علومهم كالبحور الهادئة ..
والذين لهم فهم حكيم لكتاب الله تعالى ، وسلوك عميق في سنة رسوله صلوات الله وسلامه عليه ..
ولهذا فمن الحكمة أن ترى أن الهداية لشرع الله ليست هي الهداية لله..
ونحن نريد أن نهتدي إن شاء الله تعالى لله بشرع الله:
فلا حقيقة دون شريعة ..
والشريعة عندنا وسيلة فقط للعمل لا هدفا للعلم.
لأن هدفنا من التدين محبة الله وقربه وتذوق أحوال ومقامات سلوكنا القلبي والروحي بصدق: وذاك هو العرفان.
ولهذا فمقام الهدى لله أعلى من مقام الهدى لشرعه..
فالشرع وسيلة والقرب ومحبة المشرع غاية ..
فكيف تصل إلى الغاية ولا تأسرك الوسيلة ؟ وكيف ترقى إلى مقام القرب ومقام المحبة؟ أو كيف تهتدي لله؟ :
فاعلم أخي في الله إذن : أن لا قرب لك حتى تذوق من أنوار أسمائه الحسنى ما شاء لك سبحانه إن سلكت قلبا وقالبا وبكل ربانية في مقامات وأحوال الفرار إليه ...
وتعبد الله كأنك تراه.
فإن لم تكن تراه فإنه يراك.
وهذا مبتغى القرب والمحبة والهدى وغاية الإحسان ..
والذي لن تذوقه ما لم يكتمل إسلامك ثم إيمانك ، وإيمانك ثم إسلامك :
فهما مقامان لازمان لتذوق كل أحوال ومقامات الإحسان ، والتي سنشرحها لك عمليا في هاته السلسلة بكل إيجاز :
" فخير الكلام ما قل ودل"..
فتعالى نبدأ من مقامات الإسلام فالإيمان قبل أن نرقى إلى هاته الآفاق العليا للإحسان ، وحتى الصديقية:
"وبتلميح لا إستفاضة فيه لأن الموضوع يحتاج لوحده لمجلدات خاصة ..
ولا نركز في هذا المقتطف على المعلومات بقدر ما سيهمنا العمل إن شاء الله تعالى "
فنلخص لك أخي ـ يا طالب الهدى والنور والمحبة والقرب - مقام الإسلام في:
1ـ مقام الفريضة: ويبدأ بالتطهر الأكبر للدخول في الإسلام وهو الغسل الأكبر الواجب عليك بداية .
ثم الشهادة بكل إخلاص : ودون أي رياء .. فالرياء هو الشرك الأصغر والذي سيبطل كل أعمالك ، وهو :
أن يكون غرضك من العبادة غير الله تعالى وما سوى مرضاته ومراءاة الناس.
فتقول بكل إخلاص وبكل وعي وإدراك : "لاإله إلا الله محمد رسول الله" مع إستشعار الإيمان الخالص بالله وملائكته وكتبه ورسله وباليوم الآخر وبالقدر خيره وشره .
ودون أي هدف دنيوي دنيء من عبادتك ..
ثم وبعد ترسيخك لنيتك الخالصة هاته عليك الإلتزام بأداء الصلوات الخمس ، فالصوم ، ثم الزكاة والحج لمن استطاع إليهما سبيلا.
ولهذا تكفيك كتيبات الفقه الأولي كبداية .
2ـ مقام النافلة: وتبدأ من أول نوافل الذكر وهي: تكرار لا إله إلا الله :"إن الإيمان ليصدأ فجددوه بلا إله إلا الله"
ثم نوافل الصلاة وخصوصا الرواتب.
فصوم التطوع كالأيام المباركة والأيام البيض والإثنين والخميس ..
فالصدقات ونفقات الخير ..
فالعمرات لمن يسر الله له ..
وإعلم أخي أن كل هاته النوافل مع الكثرة من ذكر الله تعالى وصلوات الرسول من فرائض سلوكك ..
فلا تكفيك الفرائض إن كنت من العازمين نحو المقامات والأحوال العلى :
فتشبت رجاء بهاته النوافل كأسس أولى للإحسان بعض الفرائض، فلا يتشبت بها إلا مومن.
3 ـ مقام المعاملة : ويعني التعامل مع كل الناس بالحسنى والصدق والخير والحق واللين ..
وبكل الأخلاق الحميدة وكل موجبات المعروف ..
وهاته المقامات الثلات :
مقام الفريضة ومقام النافلة ومقام المعاملة :
هي التي تجعل إسلامك يرقى إلى الإيمان ثم إيمانك يرقى إلى مقامات وأحوال الإحسان بحول الله تعالى إن فررت إلى الله حقا وأتممت سلوكك ..
بل وهي أساس كل العرفان ..
بينما آفاق مقامات الإيمان ومقامات وأحوال الإحسان فهي متشابكة ويتداخل بعضها في بعض ، ومعظمها وهب لا كسب لك فيه ..
بل ولها تدعو عند كل قراءة لك للفاتحة:
ألست تدعوا لمقام المنعم عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين؟ فإرق لمقاماتهم وأحوالهم هاته إذن كما ذاقوها ..
وبالله لا بك:
فما ذلك على الله إن اجتباك لها بعزيز :
وما هي إلا سلم صعودك في سماوية روحك وقلبك وفكرك ..
وفي كل جوارحك وضمائرك وجوانحك ..
قبل كل الكون:
وسيعترضك الشيطان بشدة إن كنت ذا همة عملية علية ، كما ستتكاسل نفسك ويغلب عليك في كثير من الأحيان الهوى ، ولهذا فإن الحال الذي يجب عليك تجديده على الدوام والعض عليه بالنواجد هو :
حال التوبة :
وأول شروطه التوبة النصوح :
أي التوبة التي تنصح صاحبها من كل ذنب ، ومهما صغر ..
ونهايتها التوبة من التوبة ، والتوبة كمقام :
أي توبتك من أخطاء توبتك ، وتوبتك من رؤية أنك التائب لا الله هو الذي تاب عليك..
وعند الفقهاء لا تتم توبتك هاته إلا بإستغفارك وندمك ، وعزمك على عدم العودة لذنوبك ..
ثم تحررك من حقوق غيرك ..
وأما في مدرستنا فإلى جانب ما فرضه الفقه الأصغر :
لا يكتمل أساس التوبة حتى تلتزم عمليا بستة منازل قلبية ، وهي:
1اليقظة: وهي ترك سكر الغفلات والإشتغال بالطاعات:
فتقوم من سبات كسلك لتشمر على الإنضباط في الصلوات الجماعية أولا ثم رواتبها فنوافلها ..
فالأذكار الواجبة لك من تلاوة وهيللة وحمد واستغفار وحوقلة وتسبيح وتكبير وحسبلة وصلاة على الرسول صلوات الله عليه وأدعية مأثورة .
فتلاوة وتجويد لكتابه تعالى .
وبكل حرص على أن لا تعصى الله إلا مكرها ..
وكلما وقعت في ذنب ومهما صغر أو كبر إلا وبادرت للإستغفار وللتضرع ولإستئناف التوبة وللصدقة وللتنفل..
ودون أي يأس ولو وقعت في الكبائر :
فلا كبيرة مع الإستغفار ..
2التفكر: وهو التأمل في الكون والعلم والنفس:
فتكون مصرا على أن تعبد الله بفكرك كما تعبده بجوارحك : وأول عبادة لك هنا الصلاة بعقلك :
فلا تصل إلا وأنت تفكر في كل كلمة تقولها ،فتتمعن معاني كل ما تتلو من قرآن كريم وتسبيح وتكبير وغيرها من الأدعية والأذكار.
مع إستعمال الفكر في الدراسة والتعلم بكل نباهة ويقظـة..
فتسعى للفهم العميق لا للحفظ والفهم البسيط...
ولن يكتمل لك هذا الفهم العلي حتى تبدأ بالتفكر في جسمك كيف أبدعه الله تعالى من تراب وماء مهين ، ثم سواه وعدله في أحسن صورة ..
فتتفكر في معجزات الله في نفسك ثم في غيرك إلى أن تتأمل الكون كله :
" سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق " ..
وبهذا تستهدف الحق والحقيقة معا كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم لحارثة بعد أن قال له حارثة رضي الله عنه :لقد أصبحت مومنا حقا " فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم : " لكل شيء حقيقة فما حقيقة إيمانك "؟"
فتحقق جزاك الله من حقائقك ومن كل شيء..
ونحن لحد الآن لا نتكلم إلا عن المقام الأول ..:
حقيقة إسلامك وتوبتك .
فتحقق وحقق معنا ولا تكن من أولي الهمم الدنيئة ..
فحقق تتحقق وتكن محقا وذا بصيرة .
3البصيرة:وبدايتها المعرفة بالعيوب ونهايتها الفراسة التي لاتخطئ والكشف عن الممكن من الغيوب ..
والبداية هنا بدايتك من أحوال المراقبة الذاتية فيكون منك إثنان :
نفس تعيش.
وقلب وعقل وروح يراقبونها بكل صرامة ..
ولن تغلب واحدة ثلاثة إن صبرت في البدايات.
وخصوصا عندما تذوق عسل قلبك الذي هو :
حلاوة إيمانك ولذة عبادتك وبرد يقينك ..
وخصوصا عندما تصفو بصيرتك وينطبق عليها قوله عليه الصلاة والسلام :
"اتقوا فراسة المومن فإنه يرى بنور الله"..
وقوله صلوات الله عليه :
إتقوا فراسة المؤمن فإنها لا تخطئ.
لتطمع بعدها في مقامات وأحوال الشهود والكشف وكل الأذواق السامية كما سنبين لك فيما بعد.
4 العزم: وهو الجزم في إرادة وجه الله تعالى محبة لذاته لا غير :
حيث يكون لك عزم ثابت لعبادة الله محبة لوجهه الكريم وللقرب منه لا غير..
وهذان المقامان" البصيرة والعزم" ليسا من مقامات أهل الإسلام ولا أهل الإيمان فقط ..
بل هما من أعلى مقامات الإحسان ..
فإعزم إذن على أن تحب الله حقا .. وتتقرب منه صدقا ..
و ليس بنفسك بل به سبحانه :
إذلا تصل لهذا إلا إذا تبرأت من حولك وقوتك لحوله وقوته :
" وإذا عزمت فتوكل على الله"
ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ..
ولا عليك وما منك إلا إخلاص النية والإجتهاد وعليه سبحانه وتعالى كل الثمرات.
بل وعليه سبحانه وتعالى كل التكلان.
5 المحاسبة: وهي سؤال النفس عن كل قول وفعل ونية ..
فتحاسب نفسك عن أي قول :
فلا تتكلم إلا لضرورة ومنفعة ..
وملغيا لكل لغو ولكل ذنوب اللسان :
" فمن كثر لغطـه كثر خطـأه" ..
كما تحاسب نفسك عن كل عمل :
هل هو صواب وعلى السنة إن كان حلالا ؟..
وهل هو خالص لوجه الله تعالى ؟..
فتصر على أن تتوب من كل قول سفيه وكل عمل ذميم ومن كل نية ناقصة .
6 المراقبة: وهي الشعور بحضرة الرقيب تعالى :
فتراقب نفسك لأن هناك من يراقبك :
وهم الملائكة بعد الله تعالى. فتراقب نفسك كما سلف وأنت تستشعر مراقبة الملائكة الكرام عليهم السلام والله سبحانه وتعالى لك :" فإنك بأعيننا "
وبهاته المنازل الست تكون قد عمقت أسس توبتك ، وفي نفس الوقت بنيت كل ركائز المقامات والأحوال العلى ....
ومن علامات قبول التوبة بمقاماتها الست هاته وبعد إخلاصها أربع منازل أخرى وهي :
1الإنابة:وهي الرجوع الكلي لله في كل صغيرة وكبيرة ..
فتكون من الأوايبن كما الأنبياء :" إن إبراهيم لحليم أواه منيب" ..
وهاته الإنابة هي بداية فرارك نحو الله تعالى :" ففروا إلى الله" .
وبداية رجوعك منك إليه .
2التذكر: دوام الذكر والعلم والتفكر والتضرع ..
فيكون لك وردا يوميا من الذكر والدعاء السنيين المأثورين بعد كل الصلوات وخصوصا عند الشروق وقبل الغروب ..
كما يكون لك وقت معلوم لتلاوة وتجويد القرآن الكريم ولدراسة القرآن والعلوم ما استطعت .
لعل الله يمن عليك بالشعور بحضرته في كل حال وفي كل مقام ...
3الاعتصام: الإستجارة بطاعة الله من معصيته ..وبالثقة به من كل تخوف ..
وهاهنا يلزمك التحقق من :
لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم . فتتحقق من عجزك الكامل ومن قدرته سبحانه وتعالى المقتدرة:
فتعتصم بقدرته ولا تتكل إلا عليه ..
ولن يتم لك هذا إلا إذا تحررت من حولك وقوتك فإحتميت بطاعته فارا من معاصيك ما استطعت أولا .
4 الفرار لله: وهو نتيجة إنابتك إن كانت صادقة ..
وبداية السلوك نحو كل رحاب الأحوال والمقامات العلى :
فتزهد في كل ما سواه سبحانه:
وهذا الزهد يعني زهدك في كل حرام فلا تأخذ من دنياك إلا الحلال أولا:
ولا يعني هذا زهدك في بعض الحلال مخافة الوقوع في الحرام فذاك مقام الورع الذي لم تصله بعد.
ومن نتائج هاته التوبة النصوح بشروطها الأولى ومنازل قبولها هاته كل أحوال ومقامات السلوك مثل :
ـ الخوف: وبدايته خشية العذاب ونهايته خشية مكر الله ولو سبقت البشرى بالفلاح..وبهذا تخاف الله تعالى هيبة من ذاته تعالى ورهبة من عذابه.. فعذابه أليم شديد.. وتخاف أيضامن غضبه: فالمحب لله يخشى غضب حبيبه ..ومن نقمته و فتنه ومن كل ما يمكن أن يصب عليك من انتقام على معصيتك أوكفرك ...وبالتالي مهما انضبطـت على الأوامر واجتنبت النواهي يبقى أمنك من مكر الله مبعدا :إذ" لا يامن مكر الله إلا القوم الخاسرون" فتخشاه مهما صفت لك العبادات ..بل وحتى لو كنت من المبشرين بالجنة كما بعض صحابة رسول الله ..إلا أن الخوف من عذابه يختلف عن الخشية من مكره التي تختلف عن الرهبة من داته سبحانه :هاته الرهبة التي تعني الخوف من مقامه تعالى"ولمن خاف مقام ربه جنتان"
فالخوف إذن أنواع ثلاثة:
ـ خوف العذاب والغضب والنقمة ـ خوف المكر ـ خوف المقام
ـ الإشفاق: وهو قمة الخوف لحد وجل القلوب وقشعريرة الجلود..وغالبا ما يكون عند محاولة الثبات على التوبة النصوح إن كان هناك نية خالصة وعزم على التوبة..فيخاف التائب من العقاب عما سلف ومن الفشل في التوبة في الوقت الذي يحاول أن ينضبط فيه على الإستقامة..وهذا الإشفاق كلما قوي كلما أعان على الصبر وسهل الإستقامة وأعان على نجاح التوبة.وأثمر الشفقة أخيرا على النفس وكل الخلق.
ـ الخشوع:وهو انضباط العقل والقلب والروح مع العبادات لحد خشوعها لله في كل الأوقات ..وعند قوة الخشوع واستمراره يشعر الخاشع دوما بمعية الله تعالى وحضوره معه لحد الإستغراق دوما في العبادة والوله بالله.. ويبد أ الخشوع بطمأنينة الجوارح ثم الجوانح في الصلاة .حيث يحاول المصلي أن تكون صلاته خاشعة فيستحضر الفكر دوما في قراءته وتسبيحه وتكبيره وكل دعائه..مع التزام جوارحه بالحركات السنية للمصلي بكل انضباط وبطمأنينة تامة في كل حركات الصلاة.. إلى أن يخشع القلب متمتعا بهذا الإنضباط الظاهر والباطن.. فيحس المصلي بالسكينة والراحة في صلاته " أرحنا بها يا بلال".
ولن يتم هذا إلا بالتفكر والإنضباط في اقوال وحركات وسكنات الصلاة.
ـ الإخبات:سجود القلب بكل خشية والإلتزام بكل طاعة:وهو قمة الخشوع القلبي ولا يحس به عابد إلا تذوق جرعا كبيرة من الطمأنينة أثناء العبادات ..وكان له تلذذ بالطاعات وذاق حلاوة إيمانه.إذاك يدخل في رحم ميلاده المعنوي بعد أن كان ماديا يكاد لا يرى إلا الجوانب المادية للحركات والسكنات والأشياء..فيتقوى لديه الميل نحو الحكمة والمعاني والإشارات فيكون علقة معنوية ما عليها لتكتمل إلا أن تتم سلوكها نحو مقام المحبة .وأول موجبات المحبة قوله صلوات الله عليه :" إزهد فيما عند الناس يحبك الناس وازهد في الدنيا يحبك الله":
ـ الزهد:بدايته تحقير الدنيا ونهايته اليأس مما دون المولى والزهد في الآخرة..فبداية الزهد إذن أن يتحرر قلبك من حب الدنيا مهما حلت لك ومهما ملكت فيها: وليس الزاهد هو الفقير من الماديات بل الزاهد هو من كان قلبه خاليا من حب الدنيويات مهما عظم ملكه :فذو القرنين وسليمان وداوود عليهم السلام
مسكوا الدنيا لكنهم كانوا رغم ذلك فيها من الزاهدين ..كما سيمسك المهدي عليه السلام كل الدنيا لحد استخراجه منها كنوز بني إسرائيل وكنوزبيت المقدس لكنه رغم ذلك عند الله من الزاهدين : فالزهد إذن ليس الفقر المادي بل هو الغنى المعنوي مهما كان الفقر أو الغنى الماديان.وكلما قوي الزهد في القلب كلما قويت الروح لحد زهدها ..وزهد الروح هو زهد المحسن فيما سوى الحبيب سبحانه وتعالى : فلا يرجو من المولى عز وجل غير وجهه الكريم ويعبده محبة فيه لا لجنة يصيبها ولا حورية ينكحها بل يكبر زهده لحد استواء الدنيا والآخرة في قلبه ...فلا يكون له طمع أبدا في المخلوق: بل غايته الخالق والفناء في محبته سبحانه: فيستحي أن يطلب الجنة كأجر على عبادته بل كل مطمحه القرب من الله وبذلك يسعى ليكون حقا من المقربين السابقين:" والسابقون السابقون ..أولئك المقربون " وهنا بعد أن كان من المتنافسين في السلوك" وفي ذلك فليتنافس المتنافسون"..يصير من الطامحين للمقامات العلى:"وأما إن كان المقربين فروح وريحان وجنة النعيم" وبهذا يكبر زهده لحد زهده حتى في بعض الحلال.
ـ الورع:ترك المباح مخافة الوقوع في المكروه والحرام ..ويبتدئ مع القوة في التوبة النصوح إذ يتورع التائب دوما عن الحرام لحد اجتنابه لكل الشبهات ولو كانت هناك فتاوى تبيحها ..بل لحد اجتنابه للعديد من أنواع الحلال التي تطبثه عن القوة في سيره وسلوكه وتحجب عنه لذة العبادة وحلاوة الإيمان
ـ التبتل: دعاء الجوارح كلهابكل انكسار والإنقطاع للعبادة..بحيث كلما توفرت له الظروف سارع :
للإعتكاف أو العزلة للتعبد وطلب العلم والإبتهال بكل أنواع الطاعات : ويعينه على هذا التبتل ما يذوقه فيه من حلاوة الخشوع وشغف من ما يلمسه من معاني وحكم خصوصا إذا عكف على دراسة القرآن والسنة و حكم العارفين وعلى تفسيرهم للكتاب الحكيم والسنة الشريفة..وهنا لا بد له من سنة الإعتكاف في المسجد اوغيره متى استطاع.
ـ الرجاء :بدايته الأمل في كل رحمة ونهايته حيرة الهدى والبشرى بالولاء : حيث يبتدئ الرجاء مع بداية النية الخالصة ..إذ لولا الرجاء لما كانت هناك عبادة ولا محبة ولا أحوال ولا مقامات ..بينما ولو لم يكن هناك خوف لكانت هناك العديد من الأحوال والمقامات ..